الوضع السياسي في الجزائر والاستقطاب غير المحسوم

الوضع السياسي في الجزائر والاستقطاب غير المحسوم
القدس العربي-يزيد بوعنان-24/7/2009
الأجواء العامة والأخبار المتداولة التي عاشتها وشهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية لا يمكن قراءتها وفهم دلالاتها وتداعياتها الممكنة إلا في سياق الوضع العام الذي ظلت عليه الجزائر منذ سنوات خاصة في جانبه السياسي الذي يتميز بنوع من الاستقطاب غير المحسوم، وذلك من خلال الكثير من المواقع والمحطات وكذا المواقف المعلنة وغير المعلنة من قبل هذا الطرف أو ذاك تجاه عديد القضايا والمسائل التي عرفتها الساحة الوطنية، فهل أصبح هذا الوضع قدرا محتوما على البلاد؟ وما حجم الأخطار التي تنتظرها الجزائر جراء هذا الاستقطاب الذي يبدو وأنه سيبقى يتحكم في الوضع العام إلى أجل غير مسمى؟
انغـلاق وتسـاؤلات:
هناك الكثير من الأحداث والوقائع تبين بكل جلاء بأن الساحة السياسية في الجزائر ومنذ اعتلاء الرئيس بوتفليقة كرسي الحكم ظلت تسير رويدا رويدا نحو الانغلاق، إذ وبعد أن تمكن بوتفليقة من التحكم في الأحزاب التي تحالفت حول برنامجه ـ والتي كانت مهيأة لذلك - فإن السلطة قد توجهت إلى استعمال أسلوب القوة والتهميش في تعاملها مع ما تبقى من الأحزاب والشخصيات المعارضة، التي قدمت انتقادات لاذعة وواقعية لتوجهات النظام، ووصفته بأنه نظام دخل مرحلة الشيخوخة ويسير بخطى ثابتة نحو الجدار، وتغييره يبقى مسألة حيوية ستتحقق إن عاجلا أو آجلا، وهو ما يتطلب التفكير بجد في خلق بدائل يكون بإمكانها رسم حل سياسي شامل للأزمة التي نعيشها منذ قرابة عقدين من الزمن.
إن هذا الانغلاق والتهميش أدى إلى الموت الإكلينيكي للطبقة السياسية بمختلف توجهاتها وأطيافها، مما جعل الحياة السياسية تدخل في حالة من الجمود والركود لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، حيث أصبح الفعل السياسي متشرذما، وانكمشت الدينامية السياسة الواعدة ودخلت أحزاب التحالف ومعها أحزاب المعارضة في نزاعات وشقاقات داخلية وحرب مواقع غير مجدية، مما خلق انعكاسا سلبيا على الديناميكية السياسية وأدى إلى خلو الساحة بالكامل من النقاش السياسي الحي والجاد، ودخلت البلاد مرحلة جديدة من المزايدات والولاءات غير الصادقة والعقيمة في صف أولئك المحسوبين على العصب السلطوية، وبالتالي ترهلت الطبقة السياسية وفقدت اللعبة السياسية قواعدها السليمة وتحول 'برنامج فخامة الرئيس' إلى معطف يرتديه كل الطامحين والطامعين والفاشلين والانتهازيين من أجل هدف واحد ووحيد هو البقاء في المنصب أو الترقية إلى مناصب أعلى، وتحقيق مكاسب سياسية ومادية من خلال هذا الولاء وهذا التملق ولا أحد من هؤلاء ينتقد حالة الانغلاق السياسي والتراجع الذي نعيشه ونحياه في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والممارسة السياسية والإعلامية الحرة والنزيهة.
حـزب الـرئيـس، حقيقـة أم إشـاعـة؟
بعد تجاوز بوتفليقة حقبة العهدة الرئاسية الثانية إلى الثالثة أصبحت الساحة السياسية تعج بأخبار إنشاء حزب جديد يوشك أن يكتسح الساحة- وذلك حتى وإن كانت هذه الأحاديث قد خفت صوتها في المدة الأخيرة بسبب دخول الكثير من المؤسسات والشخصيات السياسية والحزبية في عطلة لقضاء الإجازات السنوية، وهو الحزب الذي سيقوده الشقيق الأصغر للرئيس ـ السعيد بوتفليقة-، وإذا كان ليس هناك دخان بلا نار، فالمؤكد أن خلو الساحة من نقاشات جدية أدى إلى تصحرها جعل من هذا الخبر أكثر من سحابة صيف، بل ربما بديـــلا عن الغياب المريع للنقاش السياسي والثري وللممارسة السياسية التي بإمكانها صنع بديل جاد يضع حدا أمام المهاترات والتموقعات والصراعات الغامضة التي تشهدها البلاد هذه الأيام.
والأسئلة التي تطرح بإلحاح هي: هل أن هذه الأخبار التي تداولتها الصحف في صفحاتها الأولى وبالبنط العريض هي مجرد إشاعات بغرض تحريك الفعل السياسي الذي أصابه الركود والترهل بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نيسان (ابريل) الماضي؟ أم أن هذه الأخبار أكثر من حقيقة على اعتبار أن هناك مؤشرات سياسية عديدة تزامنت مع تواتر هذه الأنباء تبين أن هناك أشياء كثيرة تطبخ داخل دواليب السلطة، وأن السلطة تنتظر الوقت المناسب فقط للإعلان عن هذا المشروع السياسي الجديد؟ ثم هل أن فكرة حزب السعيد بوتفليقة نالت تزكية القوى الحاكمة في البلاد وبالتالي ليس ثمة من يوقف السعيد في إنشائه لهذا الحزب السلطوي الجديد وتحقيقه للحلم الذي يراوده في خلافة شقيقه برئاسة الجمهورية؟ وما مدى استعداد أصحاب القرار لقبول هذه الفكرة كبديل يوفر لهم عناء البحث عن خليفة للرئيس الحالي يكون طيعيا ومقبولا من طرفهم؟ الأكيد أن ما تم تداوله من أخبار بشأن هذا الموضوع هو ليس كلام جرائد فقط، وليس مجرد هذيان سياسي يخوض فيه البعض تقربا وتملقا للرئيس الحالي، إذ أن الكلام عن حزب الرئيس هو فكرة قد تتجسد إذا كانت موازين القوى هي الغالبة في هذا الاتجاه وذلك بصرف النظر عن كونها فكرة تتضمن رغبة في الخلافة وطموحا في الرئاسة. وما يؤكد هذا الطرح هي المواقف المعلنة من قبل أحزاب التحالف الرئاسي بشأن هذا الموضوع، فالتصريحات التي أدلى بها القادة السياسيون للأحزاب أظهرت أن الأمر متعلق بوقت وظرف سياسي مناسب، فلم يسبق لحزب جبهة التحرير الوطني أن تحدث أمينها العام خلال عهد الرئيس بوتفليقة عن محاولات جادة لإدخاله المتحف واستشراف حملة شعواء تمس الأفلان، وكذا الدعوة غير المسبوقة التي أطلقها بلخادم للبحث عن مرجعية سياسية وإيديولوجية جديدة لجبهة التحرير الوطني، وهي سابقة جديدة لم تحدث منذ الاستقلال، ولكن هذا الطرح جاء عقب الإعلان عن إمكانية إنشاء حزب جديد يقوده السعيد بوتفليقة، والبحث عن مرجعية جديدة للأفلان يعني استعداد الحزب للتكيف والمرونة مع الوضع السياسي الجديد الذي سيعقب الإعلان عن تأسيس حزب الرئيس. أما السيد أحمد أويحيى الذي نفى هذا الخبر لم يكن في الغالب الأعم سوى أنه يعبر عن أمنية أكثر مما يتحدث عن دراية أو علم بحقيقة الموضوع، فلم يكن نفيه هو نفي المسؤول الذي يملك المعلومة الصحيحة بقدر ما كان نفيا يعبر عن شعور رجل سياسي طموح بخطورة ما يروج له وهو ما نستشفه من قوله: 'إن ظهور أي حزب جديد لا يقلقنا حتى وإن كان يرهن مستقبلنا ووجودنا السياسي'، ولا يقل موقف حركة حمس التي قال رئيسها أن سنة 2009 ليست سنة تحالفات، وأن التحالف لا بد من استبداله إذا لم يحقق أهدافه سنة 2009، وخرج أبو جرة سلطاني بموقف سياسي مفاجئ حينما أعلن عن مشروع سياسي جديد خارج إطار التحالف، كل هذه المواقف تبين أن حزب الرئيس هو فكرة في طي التشاور والدراسة والتمحيص، وتوحي أيضا بأن لعبة الشد والجذب بين الزمر والعصب المتصارعة على الريوع التي توفرها عائدات النفط ستكون هي الأخرى فصلا من فصول الاستقطاب الذي يبقى حسمه مسألة معقدة محاطة بالكثير من الأخطار على مستقبل البلاد، وفي انتظار فصول أخرى من هذا الصراع فإن البلاد تبقى رهينة للأطراف المشكلة لهذا الاستقطاب غير المحسوم.
كاتب صحافي جزائري

يسلمو ايديك على النقل الرائع

وفقك الله وتقبل مروري

الوضع السياسي في الجزائر والاستقطاب غير المحسوم Image